الأربعاء 17 ديسمبر 2025 | 10:33 ص

حسن عزام لـ " مصر الان ": ترامب  ينتوي تدمير BBC بدعوى تشهير تاريخية


 قال الكاتب الصحفي حسن عزام في تصريح خاص لموقع " مصر اللن" أن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) تشهد واحدة من أخطر الأزمات القانونية في تاريخها الحديث، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس عن نيته مقاضاة المؤسسة الإعلامية العريقة بتهمة التشهير أمام محاكم ولاية فلوريدا، مطالباً بتعويضات مالية ضخمة تصل إلى 10 مليارات دولار، أي ما يعادل 8.5 مليار يورو. تأتي هذه الدعوى في سياق متشابك من التوترات السياسية والإعلامية، وتفتح نقاشاً واسعاً حول حدود الحرية الصحفية ومسؤولية المؤسسات الإعلامية في تقديم المعلومات بدقة وموضوعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات سياسية بارزة ومؤثرة على المستوى العالمي.

وأضاف عزام أنه يعود أصل النزاع إلى حلقة من برنامج التحقيقات الشهير "بانوراما"، الذي يُعد أحد أقدم وأعرق البرامج الوثائقية في تاريخ التلفزيون البريطاني، والذي بُث لأول مرة في أكتوبر 2024، أي قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أسفرت عن فوز ترامب على منافسته كامالا هاريس. يدعي ترامب ومحاموه أن الحلقة قامت بتشويه كلماته وإخراجها من سياقها الأصلي بطريقة متعمدة، مما أعطى للمشاهدين انطباعاً مغلوطاً عن نواياه وأفعاله. المحور الأساسي للجدل يتمحور حول الطريقة التي أعاد بها البرنامج نشر وعرض الخطاب الذي ألقاه ترامب في السادس من يناير 2021، ذلك اليوم الذي شهد أحداثاً مأساوية عندما اقتحم مئات من مؤيديه مبنى الكابيتول في واشنطن محاولين منع المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

تكمن المشكلة الجوهرية، وفقاً لما يطرحه فريق ترامب القانوني، في أن برنامج "بانوراما" قام بمونتاج الخطاب أو تقديمه بطريقة توحي بأن الرئيس السابق كان يشجع مؤيديه بشكل مباشر وصريح على اتخاذ إجراءات عنيفة واقتحام الكابيتول، وهو ما ينفيه ترامب بشدة. هذه القضية تفتح باباً واسعاً للنقاش حول التحديات التي تواجه الصحافة الاستقصائية في عصر السياسة المستقطبة، حيث أصبحت كل كلمة وكل لقطة خاضعة للتدقيق الشديد والتأويلات المختلفة. فمن ناحية، تدافع المؤسسات الإعلامية عن حقها في التحقيق والكشف عن الحقائق وتحليل الأحداث السياسية المهمة، بينما من ناحية أخرى، يطالب السياسيون بتمثيل عادل ودقيق لأقوالهم وأفعالهم دون تحريف أو إخراج من السياق.

وأشار إلى إن توقيت بث الحلقة يضيف بعداً آخر للأزمة، فقد جاء قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الرئاسية، وهو توقيت حساس للغاية في أي عملية ديمقراطية. قد يرى البعض في هذا التوقيت محاولة للتأثير على الرأي العام الأمريكي في لحظة حرجة، بينما يدافع آخرون عن حق الإعلام في نشر المعلومات المهمة للناخبين في الوقت الذي يحتاجون فيه لاتخاذ قراراتهم. هذه الإشكالية ليست جديدة في تاريخ العلاقة بين السياسة والإعلام، لكنها تأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً في عصر الإعلام الرقمي وسرعة انتشار المعلومات وسهولة تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ولفت إلي أن المبلغ المالي الذي يطالب به ترامب، والبالغ 10 مليارات دولار، يعد رقماً فلكياً وغير مسبوق في قضايا التشهير، مما يثير تساؤلات حول الأسس التي بني عليها هذا التقييم للأضرار المزعومة. في العادة، تُحسب التعويضات في قضايا التشهير بناءً على الأضرار الفعلية التي لحقت بالسمعة والخسائر المادية المباشرة، إضافة إلى التعويضات العقابية في بعض الحالات. لكن الوصول إلى رقم بهذا الحجم يتطلب إثبات أضرار هائلة ومتعددة الأوجه، وهو ما سيشكل تحدياً قانونياً كبيراً لفريق ترامب. من جهة أخرى، قد يكون هذا المبلغ الضخم بمثابة رسالة رمزية أكثر منه مطلباً واقعياً، رسالة تهدف إلى الضغط على المؤسسات الإعلامية وردعها عن انتقاد ترامب أو التحقيق في تصرفاته بطريقة قد يعتبرها غير عادلة.

Image

وقال إن اختيار محاكم فلوريدا كساحة لهذه المعركة القانونية ليس عشوائياً، فولاية فلوريدا تعتبر معقلاً لترامب وقاعدته الانتخابية، كما أنها الولاية التي يقيم فيها حالياً في منتجعه. هذا الاختيار قد يمنح ترامب ميزة نفسية على الأقل، وربما قانونية أيضاً، نظراً للبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة. لكن من الناحية القانونية، ستواجه هيئة الإذاعة البريطانية تحديات معقدة تتعلق بالاختصاص القضائي، حيث إنها مؤسسة بريطانية تعمل بموجب القوانين البريطانية، وستحتاج إلى الدفاع عن نفسها في نظام قضائي أمريكي قد يكون له معايير مختلفة فيما يتعلق بحرية التعبير والتشهير.
تعد قوانين التشهير في الولايات المتحدة من بين الأكثر حماية لحرية التعبير في العالم، بفضل التعديل الأول للدستور الأمريكي والسوابق القضائية العديدة التي أرست مبادئ صارمة لحماية الصحافة. في القضية الشهيرة "نيويورك تايمز ضد سوليفان" عام 1964، أقرت المحكمة العليا الأمريكية أن الشخصيات العامة، وخاصة المسؤولين الحكوميين، يجب أن يثبتوا وجود "سوء نية فعلي" من جانب المؤسسة الإعلامية لكي ينجحوا في قضايا التشهير. هذا يعني أنه على ترامب وفريقه القانوني أن يثبتوا ليس فقط أن المعلومات كانت خاطئة، بل أيضاً أن هيئة الإذاعة البريطانية كانت تعلم بأنها خاطئة أو تصرفت بتجاهل متهور للحقيقة. هذا المعيار العالي يجعل من الصعب جداً على الشخصيات العامة الفوز بقضايا التشهير في الولايات المتحدة، مما يوفر حماية قوية للصحافة الاستقصائية.

ولفت الي أنه و مع ذلك، فإن الحالة التي يقدمها ترامب تتمحور حول ادعاء محدد بأن كلماته قد تم تشويهها أو إخراجها من سياقها، وهو نوع مختلف من الادعاءات قد يجد صدى أكبر في المحاكم إذا تمكن من تقديم أدلة مقنعة. فإذا استطاع فريقه القانوني إثبات أن عملية المونتاج أو طريقة العرض غيرت بشكل جوهري معنى ما قاله في خطابه يوم 6 يناير، وأن هذا التغيير كان متعمداً ومضللاً، فقد يكون لديه حجة أقوى من مجرد الاختلاف حول التفسير أو التحليل. الخط الفاصل بين التحرير الصحفي المشروع والتشويه المتعمد رفيع ودقيق، وسيكون على المحكمة أن تقرر أي جانب من هذا الخط تقع ممارسات "بانوراما" في هذه الحالة المحددة.

بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية، فإن هذه الدعوى تأتي في وقت تواجه فيه المؤسسة تحديات متعددة على الصعيدين المحلي والدولي. في السنوات الأخيرة، تعرضت الـ BBC لانتقادات من مختلف أطياف الطيف السياسي البريطاني، حيث يتهمها اليمين بالانحياز لليسار واليسار بالانحياز لليمين، وهو ما قد يعتبر في بعض الأحيان دليلاً على توازنها، لكنه يشير أيضاً إلى الضغوط الهائلة التي تعمل تحتها. كما أن نموذج تمويلها القائم على رسوم الترخيص أصبح محل نقاش وجدل متزايد في عصر البث الرقمي والمنصات المتعددة، مما يضعها في موقف دفاعي مستمر حيال قيمتها ودورها في المجتمع البريطاني المعاصر.

Image

تمتد تداعيات هذه القضية إلى ما هو أبعد من مجرد نزاع قانوني بين شخصية سياسية ومؤسسة إعلامية، فهي تطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الصحافة الاستقصائية في عصر يتزايد فيه استعداد الشخصيات العامة والأثرياء لاستخدام الدعاوى القضائية كوسيلة لإسكات النقد أو الضغط على وسائل الإعلام. إذا نجح ترامب في هذه الدعوى أو حتى إذا تمكن من إجبار الـ BBC على تسوية مكلفة، فقد يفتح ذلك الباب أمام موجة من الدعاوى المماثلة من قبل سياسيين وشخصيات عامة أخرى ضد مؤسسات إعلامية تحاول القيام بدورها في المساءلة والكشف عن الحقائق. هذا ما يعرف أحياناً بـ"الدعاوى الاستراتيجية ضد المشاركة العامة" أو SLAPP، وهي دعاوى قضائية يُقصد بها في المقام الأول إرهاق وترويع المدعى عليهم مالياً ومعنوياً بدلاً من البحث عن العدالة الحقيقية.

من جهة أخرى، يمكن النظر إلى هذه القضية من منظور حقوق الشخصيات العامة في الحفاظ على سمعتها وحمايتها من التشويه غير العادل. فحتى السياسيون والشخصيات المثيرة للجدل مثل ترامب لهم الحق في أن يمثلوا بدقة وإنصاف في وسائل الإعلام، وأن لا تُستخدم سلطة ومنصة المؤسسات الإعلامية الكبرى لتشويه صورتهم بطرق غير عادلة أو مضللة. التوازن بين حرية الصحافة وحقوق الأفراد في حماية سمعتهم هو أحد أصعب التحديات، ولا توجد إجابات سهلة أو قواعد مطلقة يمكن تطبيقها في كل الحالات.

ما يجعل هذه القضية أكثر تعقيداً هو الطبيعة الحساسة للغاية لأحداث السادس من يناير 2021، التي لا تزال تثير انقسامات عميقة في المجتمع الأمريكي. بالنسبة للبعض، كانت تلك الأحداث محاولة انقلاب خطيرة وهجوماً على الديمقراطية الأمريكية نفسها، بينما يراها آخرون كاحتجاج سياسي خرج عن السيطرة لكن بدوافع مشروعة تتعلق بمخاوف حقيقية من تزوير الانتخابات. دور ترامب وخطابه في ذلك اليوم كان محور تحقيقات برلمانية موسعة ونقاشات قانونية وسياسية مستمرة، بما في ذلك الاتهامات الجنائية التي وجهت إليه لاحقاً. في هذا السياق المشحون، فإن أي تناول إعلامي لتلك الأحداث يحمل بالضرورة بتفسيرات وقراءات متنافسة، مما يجعل مهمة الصحافة في تقديم صورة موضوعية ودقيقة أكثر صعوبة.
إن التأثير المحتمل لهذه الدعوى على العلاقات عبر الأطلسي يستحق النظر أيضاً، فهيئة الإذاعة البريطانية ليست مجرد مؤسسة إعلامية بل هي أيضاً رمز للثقافة والقيم البريطانية، وتُعتبر جزءاً من القوة الناعمة للمملكة المتحدة في العالم. دعوى قضائية بهذا الحجم من الرئيس الأمريكي ضد مؤسسة بريطانية عريقة قد تخلق توترات دبلوماسية غير مرغوب فيها بين حليفين تقليديين، خاصة في وقت تحتاج فيه كلا الدولتين إلى تعزيز شراكتهما في مواجهة تحديات عالمية مشتركة. من المحتمل أن تحاول الحكومة البريطانية الحفاظ على مسافة من القضية باعتبارها شأناً قانونياً بين طرفين مستقلين، لكن الضغوط السياسية والدبلوماسية قد تكون حتمية.

وقال أنه و على صعيد آخر، تطرح هذه القضية تساؤلات حول مستقبل الصحافة الدولية وقدرة المؤسسات الإعلامية على تغطية الشؤون السياسية في بلدان أخرى دون الخوف من الملاحقة القضائية. إذا أصبح من الممكن لسياسيين في أي دولة أن يرفعوا دعاوى ضخمة ضد وسائل إعلام أجنبية في محاكمهم المحلية، فقد يخلق ذلك تأثيراً مثبطاً على التغطية الإعلامية الدولية، مما يضر بحق الجمهور في المعرفة والمتابعة للأحداث العالمية. العولمة الإعلامية التي جعلت من الممكن لمؤسسات مثل الـ BBC أن تصل إلى جماهير عالمية تأتي أيضاً مع تعقيدات قانونية وسياسية جديدة لم تكن موجودة في عصر الإعلام الوطني المحصور.
من الناحية العملية، ستكون المرحلة القادمة من هذه القضية حاسمة، حيث سيحتاج فريق ترامب القانوني إلى تقديم أدلة ملموسة تدعم ادعاءاته بالتشويه المتعمد، بينما ستدافع هيئة الإذاعة البريطانية عن ممارساتها الصحفية وستحاول إثبات أن تغطيتها كانت دقيقة وعادلة ومبنية على معايير صحفية مهنية راسخة. من المحتمل أن تتضمن الإجراءات القانونية فحصاً دقيقاً للمواد الخام والمراسلات الداخلية وعمليات اتخاذ القرار التحريري داخل البرنامج، وهو ما قد يكشف الكثير عن كيفية عمل الصحافة الاستقصائية في أحد أبرز برامج التحقيق في العالم.

بغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه القضية، فإنها تمثل لحظة فارقة في العلاقة المعقدة والمتطورة باستمرار بين السلطة السياسية والإعلام الحر. في عصر يتزايد فيه الاستقطاب السياسي وتتراجع فيه الثقة بالمؤسسات الإعلامية التقليدية، تصبح هذه القضايا اختباراً حقيقياً لمتانة المبادئ الديمقراطية وقدرة النظم القانونية على إيجاد توازن عادل بين الحقوق المتنافسة. ستراقب المؤسسات الإعلامية في جميع أنحاء العالم هذه القضية عن كثب، لأن نتيجتها قد تشكل سابقة تؤثر على طريقة عملها وحدود ما يمكنها نشره في المستقبل، بينما سيتابعها السياسيون وفرقهم القانونية كنموذج محتمل لكيفية التعامل مع التغطية الإعلامية التي يعتبرونها غير عادلة أو مضللة.

استطلاع راى

هل تؤيد منع الأطفال والمراهقين دون سن الـ 16 من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في مصر؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5720 جنيهًا
سعر الدولار 47.51 جنيهًا
سعر الريال 12.67 جنيهًا
Slider Image